ما إن انتهيت من قراءة كتاب «الاغتيالات السياسية فى مصر» للدكتور خالد عزب وصفاء خليفة حتى تمنيت أن يقرأ وثائقه كل شاب مصرى لم يعاصر تلك الأحداث، ليعرف أن طلقة المسدس هى مجرد نتيجة، أما السبب الرئيسى دائماً فهو فكر التطرف الفاشى الذى لا يعرف غير لغة القتل والرصاص.

عشق د. خالد عزب للوثائق أضفى على الكتاب مصداقية تجعل قراءته رحلة تأمل لا رفاهية، إنه تاريخ الدم منذ اغتيال بطرس غالى حتى اغتيال السادات، مروراً باغتيال أحمد ماهر والنقراشى وحسن البنا، إنه تاريخ الانتقام والثأر ومواجهة الرأى بالرصاص والحجة بالكلاشينكوف، كان المصريون قد تخيلوا أنهم قد ودعوا لغة الاغتيال بعد قتل سليمان الحلبى لـ«كليبر» الذى برروه بأنه ضد الاحتلال، لكنهم استيقظوا بعد مرور قرن على رصاص الوردانى، ذلك الصيدلى الذى تعلم فى سويسرا وقتل بطرس غالى، ومن الوردانى حتى الإسلامبولى لم تتوقف لغة الرصاص فى مصر إلا لكى تلتقط أنفاسها وتكرر القتل بلهجة أخرى.

توقفت فى الكتاب عند اغتيال الشيخ الذهبى بواسطة جماعة التكفير والهجرة، وهى منطقة مهجورة غامضة لا يتناولها الكتّاب إلا قليلاً ويمرون عليها مرور الكرام، رغم أننى أجدها على نفس درجة خطورة اغتيال السادات إن لم تكن أخطر، لأن اغتيال الذهبى هو اغتيال فكر وليس اغتيال شخص، هو اغتيال للفكر الوسطى بواسطة فكر الخوارج التكفيرى، كل جريمة الشيخ الذهبى أنه ألّف كتيباً صغيراً يفند فيه آراء تلك الجماعة وزعيمها شكرى مصطفى ذى الخلفية الإخوانية، رافضاً فكرة التكفير، ماذا كان رد الفعل؟ لم يكن كتيباً يرد على الذهبى، بل كان الرصاص.

اختطف الشيخ الذهبى من بيته بخدعة ارتداء القتلة لزى ضباط الشرطة وأرسلوا بياناً لنشره فى الصحف يطلبون فيه الإفراج عن أعضاء التنظيم المسجونين، ودفع 200 ألف جنيه ونشر كتاب شكرى مصطفى على حلقات فى الجرائد، ومنحوا المسئولين مهلة وإلا قتلوا الرهينة وهو الشيخ الجليل المسالم! أمر شكرى مصطفى بقتل الذهبى فى شقة بالهرم، اكتشفت جثته بالصدفة يوم 7 يوليو 1977 ممددة على السرير فى جلباب أبيض حافى القدمين خالعاً نظارته الطبية، قال الطبيب الشرعى فى تقريره إنه قتل برصاصة 7٫65 ملليمتر فى عينه اليسرى، أطلقت عليه وهو ملقى على ظهره معصوب العينين، أما القاتل الذى قتله دفاعاً عن الإسلام فهو مصطفى عبدالمقصود، موظف من كفرالشيخ متزوج من سيدتين وتم فصله من عمله بتهة الاختلاس!!

شيخ أزهرى جليل يهشمون جمجمته وكأنهم ينتقمون من هشاشتهم وضعف حجتهم بتحطيم مخ هذا الرجل الذى فنّد أفكارهم التكفيرية، وكم من الجرائم ترتكب باسمك أيها الدين الحنيف.